نقطة البداية
سوء الاختيار لأحد الزوجين هو البداية الخاطئة، لحياة كان ينبغي لها أن تكون مستقرة ومستمرة، لأن الأصل في النكاح التواصل بقوة من الحياة إلى الممات، لأن النكاح الموقت أو محدد المدة لا يقره الإسلام، فإذا تغاضى الرجل أو المرآة عن بعض العيوب الظاهرة في المتقدم إليها أو عن عيوب المتقدم ذاته، فإن بعض هذه العيوب قد يستفحل ويؤدي إلى تصدع الحياة الزوجية أو الانحدار بها إلى طريق الغواية، بسبب عدم التوافق العاطفي أو الخلقي أو غير ذلك من الأسباب، فمن يتجاهل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل أن يحسن اختيار أم لأولاده، وأن السوداء الولود الودود، خير من الحسناء العقيم، بالقطع سيعاني في حياته الكثير من المثالب، لأن مهمة الزواج ليست مجرد إرضاء الشهوة فحسب، وإنما هي لأداء رسالة عمارة الكون، وتربية النشء أيضاً، ويؤكد هذا المعنى الدعوة إلى تفضيل ذات الدين، على ذوات المال أو الجمال أو الحسب والنسب، وإن كانت لا تتمتع بهذه المزايا، لأن ذات الدين غناها في نفسها، وجمالها في خلقها، وحسبها في سلوكها وحسن تقبلها لزوجها، لأن الحسن قد يردي المرآة ويسقطها في مهاوي الانحراف، وتوافر ما لها قد يجعلها طاغية تعمل على التحكم في زوجها وكل شؤون الأسرة، كما أنها قد تعتمد على أنها حسيبة نسيبة فتتعالى وتتكبَّر على زوجها، وهذا كله يؤدي إلى الفت في عضد الأسرة، ويضع العوائق في طريقها بقدر قد يؤدي إلى تدميرها أو الاندفاع بها إلى مسالك وطرق لا تحمد عقباها•
حسن الاختيار وحده لا يكفي
إذا أحسن كلا الزوجين الاختيار للآخر، فلا يعتمد على هذا الأمر وحده، لأنه مجرد بداية صحيحة، يعقبها حسن رعاية وعناية متبادلة بين الطرفين وليحرص كل طرف على إعفاف الطرف الآخر بكل وسيلة مشروعة حتى وإن كانت رغبة الزوج وشهوته غير مولعة بزوجته في وقت معين، وهي في حاجة إليه فعليه تلبية رغبتها، بل إذا انعدمت لديه الشهوة فينبغي عليه إعفاف زوجته، إعمالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، قلت: يا رسول الله: أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر؟ قال: قلت: بلى، قال: أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير>لأنه يؤجر على فعله هذا، وإن كان على غير رغبة منه بمقتضى هذا الحديث الشريف، بل لا يجوز للزوج أن ينشغل عن زوجته بعبادة أو عمل أو يتغيب عنها لفترات طويلة بلا عذر أو ضرورة•
ويؤيد ذلك ما روي عن زوجة عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أنها شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم انصراف زوجها عنها، لاشتغاله بالعبادة، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء له، قال له:
وقد شغل أمر غياب الأزواج عن زوجاتهم لفترات طويلة، بال الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عندما سمع في جوف الليل في أثناء حراسته للمدينة ـ صوت مرأة تقول:
تطاول هذا الليل وازورَّ جانبه
وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره
لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني
وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
سارع أمير المؤمنين إلى ترك حراسته ثم سأل عن هذه المرأة، فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها فأقفله ـ أي أرجعه إليها مما كان فيه ـ ثم دخل على أم المؤمنين حفصة ـ رضي الله عنها ـ فقال: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أو ستة أشهر، فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرا، ويقيمون أربعة، ويسيرون راجعين•
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن حق الزوجة في الولد غير مقدر بمدة، وإنما يقدر بكفايتها، أي بإشباع رغبتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته، بأن تنازعا في القدر الذي يكفيها أو يعفها، فينبغي للحاكم أن يفرضه على الزوج شأنه شأن النفقة سواء بسواء، بل إن النفقة أمرها قد يحتمل ولكن سُعار الرغبة قد لا يحتمل، لذلك يفرض للزوجة القدر الذي يعفها في حدود قدرة وطاقة الزوج، بلا إفراط أو تفريط• وهذا هو رأي الإمام الغزالي أيضاً، بل يقول كذلك: ينبغي على الزوج أن يزيد أو ينقص في عدد مرات الوطء لزوجته بحسب حاجتها بهدف تحصينها وإعفافها، لأن تحصينها واجب عليه•
وعليه لا يكفي حسن اختيار الزوجة، وإنما ينبغي معاشرتها بالمعروف، وإرضاء رغبتها، وكذلك الشأن بالنسبة للزوجة تجاه زوجها، فإن دعاها إلى فراشه من ليل أو نهار، فلا تمتنع عليه إلا لمانع شرعي أو صحي ضروري وقطعي، لأن تحصين الزوج وإعفافه أيضاً من مهام الزوجة•
إن الرعاية وبث روح التفاهم والحب بين الزوجين، يعمل على استقرار الحياة الزوجية بينهما، وعلى الرجل يقع العبء الأكبر في رعايته لزوجته، استجابة للتوجيه النبوي الكريم، فقد روي عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: • وأهم من توافر ضرورات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، إعفاف الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، وتحصينها له بإشباع رغبته، وغلق منافذ الشيطان وقطع حبائله عنهما، يجعل المودة والرحمة بينهما متواصلة بلا انقطاع إعمالاً لقول الله تعالى في الآية 21 من سورة الروم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وقد يُحقق التقارب والمودة بين الزوج وزوجة ما لا يمكن أن تحققه كل مباهج الحياة، لأن المرأة متاع، وهي بطبيعتها تميل إلى كلمات الحب، بحكم عواطفها الجبليِّة، ومشاعرها الفطرية، وليس على الزوج سوى الرعاية والعناية بهذه المشاعر، ورب كلمة طيبة يكون لها في نفس الزوجة ما يغنيها ويعفها، ويزيد من إخلاصها وعطائها لزوجها، والعكس صحيح، لأن الحياة تتطلب تعاون الطرفين فالمرأة لباس للرجل، وهو لها كذلك، مصداقاً لقوله تعالى في الآية 187 من سورة البقرة: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، والملابس توارى أخص خصوصيات الإنسان، وتستر عوراته، فكل زوج ستر لعورة زوجه، ومن أهم المهام المنوطة به، إعفاف وتحصين زوجه، يتساوى في هذا الشأن الرجل والمرأة•
الحل المشروع للمشكلة
إن مشكلة الخيانة الزوجية لن تجد حلها المشروع سوى في رحاب الإسلام بأحكامه وقيمه، والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته ومعاشرته لزوجاته أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ فلا ينبغي للرجال أن يرتموا على نسائهم كالبهائم، بل ينبغي أن يجعلوا بينهم وبينهن رسولاً، من مقدمات الجماع، لتهيئة نفسية الزوجة، وبعث رغبتها، لتتمكن من إشباع رغبة الزوج، لأن سوء المعاشرة أو الانحراف بها، يهدد عرى الزوجية، ويفت في عضدها، ويعرِّض حصن الزوجية للاختراق من شياطين الإنس وإخوانهم، فإذا تنافرت الطباع، واستقصى الحل في أخص خصوصيات العلاقات الزوجية الحميمة، فلا مفر من اللجوء إلى آخر أنواع العلاج وهو الطلاق، لأنه أبغض الحلال، ولكنه أيضاً بمثابة الكي الذي يتم اللجوء إليه عند تعذر التداوي بما عداه•
هذا أفضل من التغاضي عن حل هذه المشكلة، سواء كانت قديمة أو مستجدة، لأنها من أخطر المشكلات الأسرية، وقد يضعف أمام متطلباها ومغرياتها بعض الأزواج من الرجال أو النساء، وقد يجد الرجل فسحة في تعدد زوجاته ليشبع رغباته بصورة مشروعة، لكن المرأة لا مجال أمامها سوى أن تقضي لبانتها زوجها فحسب، لذلك لا مفر في حال عجز الرجل عن مجاوبة المرأة أو التفاهم معها بصورة تحقق رغباتهما المشروعة، أن يتفق معها على حل عقدة النكاح بالطلاق أو التطليق، فهذا أكرم لهما، ويسد باب الفساد والانحراف تحت ستار الزوجية، فلعل المرأة تجد زوجاً آخر أصلح من طليقها، ولعل الرجل يجد زوجة أخرى تطيب له، وتشبع رغبته•
وبغير المصارحة والوضوح بين الزوجين لن يتم حل هذه المشكلة والقضاء على جميع تبعاتها، وكل حل خارج أحكام الشريعة الإسلامية لن يكن حلاً حاسماً، بل قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، من خلال توالد مشكلات أخرى أخطر وأعقد، تفت في عضد المجتمع، وتشيع الفساد في جنباته، ما لم يتم حسمها بالحل الشرعي، في الوقت المناسب، ودور المرأة أن تتعالى على كل الدعوات المشبوهة للانحراف، وليكن قدوتها هند بنت عتبة زوج أبي سفيان، عندما أخذت مع غيرها العهد على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا مصافحة، وكان من بين بنوده النهي عن ارتكاب جريمة الزنا، فقالت هند في عزة وإباء: أوَ تزني الحرة؟
حقاً إن الحرة لا تقبل الزنى، ولا تُقبل على الخيانة الزوجية مهما كانت المغريات، لكننا لا نعيش في مجتمع المثالية، لذلك ينبغي على كل زوجة ـ بالذات ـ إذا استشعرت حاجتها الماسة لحياة زوجية أخرى، لسوء معاشرة زوجها، أو لمعاناتها من الحرمان العاطفي، أن تلجأ إلى طلب الطلاق أو التطليق، عندما تغلق جميع الأبواب الأخرى في وجهها، وبعد أن تستنفد كل السبل والوسائل لاستمرار حياتها الزوجية، بعيداً عن أخطار الانحراف أو الخيانة، فهذا خير لها•
كما يجب على الزوج أن يسارع إلى تلبية رغبة زوجته بتطليقها اختياراً، إذا لم يستطع إشباع متطلباتها المشروعة، أو استصعبت الحياة على الاستمرار بينهما، وذلك بدلاً من إشعال المعارك والحروب في المحاكم، فلربما ينتهي الأمر عندئذ إلى ما لا تحمد عقباه، ويتغلب شيطان الشهوة بسبب طول مرحلة التقاضي، فيحدث الانحراف، وتقع الخيانة، ويأتي الدواء بعد استفحال الداء، فلا يفيد ولا ينفع، والعاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من اتعظ بنفسه هذا وبالله التوفيق، والله من وراء القصد•